الديمقراطية المباشرة في أثينا


قراءة في كتاب نماذج الديمقراطية - ديفيد هيلد - الجزء الاول - الفصل الاول
اصدار معهد الدراسات الاستراتيجية - بيروت

علي عبود المحمداوي
مدرس مساعد في جامعة بغداد – كلية الآداب – قسم الفلسفة

أثينا دولة المدينة :

في القرن الخامس قبل الميلاد ظهر تنظيما سياسيا اكثر تطوراً عن سابقه وذلك في اثينا اليونان ، وقد قام هذا التنظيم على فكرة الدولة المدينة وذلك خلاف ماكان وما ستكون عليه الدولة بعد اثينا وفي العصر الحديث ، (من اشكال الامبراطوريات الشرقية سابقا والغربية لاحقا ) ، ومنه يتبين ان معنى دولة المدينة كان له مواصفات مغايرة للاشكال الاخرى للدولة ومنها صغر الرقعة الجغرافية ، والتكيف الاجتماعي في المدينة الصغيرة ، وذلك سهل تطبيق النظام الديمقراطي المباشر مبررا بقلة المواطنين وتحديد عددهم .
مفاهيم رئيسة في السياسة الديمقراطية الاثينية :
1. مفهوم المواطن في اثينا :المواطن بالمفهوم الاثيني هو من يمتلك الحق في المشاركة المباشرة في الدولة وهو من كان ذكرا ومولودا في اثينا ، ويتوجب عليه ان يشارك في عملية بناء الحياة العامة ورعايتها .
ومن ذلك نشأت فكرة ان فضيلة الفرد مطابقة لفضيلة المواطن ، والتي يقصد منها ان الافراد لايحققوا ذواتهم الا من خلال مالهم من واجبات وماعليهم من حقوق وذلك عبر ممارستهم المباشرة التي لايمكن تحقيقها الا في دولة المدينة ، وذلك معنى التوافق بين الاخلاق والسياسة .
2. مفهوم استبداد المواطنين :يقصد من ذلك انه اذا كان المواطن (كما سبق هو الذكر المولود في اثينا ) هو من يقوم بالدورالسياسي في اثينا فان ذلك يقود الى استبداد هذه الفئة التي تستثني الاخرين من النساء والاجانب والعبيد من افراد المجتمع الاثيني لانهم خارج عنوان المواطنة ، بل وقد استثنو حتى من ولد في اثينا ولكنه لم يكن من اصلها بسبق تاريخي وانتماء جغرافي قديم لاثينا ، كل ذلك جعل نسبة المواطنين تمثل قلة في اثينا ومع ذلك فان هيلد يرى ان اختيارهم للادراة السياسية مبررا لانه يقابل بديلا اسوء وهو حكم القلة من المواطنين وليس كل المواطنين .
3. مفهوم الحرية والمساواة في اثينا : الحرية تعني حترام القاون ، لانه قانون المواطنين وبالتالي فكلهم متساوون امامه والحرية هي احد اهم المباديء بل والمبدأ الرئيس في النظام اليمقراطي .
وحسب مايرى ارسطو فان الحرية والمساواة يمكن النظر لهما عبر معياري :
· ان تكون الحاكم والمحكوم بالتناوب / والمساواة هنا تعني القاعدة العملية والاخلاقية للحرية لان الكل بالتساوي لهم هذا الحق اي حق ان يكون حاكما ومحكوما بالتناوب .
· ان تعيش كما تختار / وفي هذا تتعارض الحريات الشخصية ولكن المساواة حاضرة من خلال فكرة ان تعيش كما تشاء .
المثل والقيم السياسية في اثينا :
من اهم المثل في الفكر السياسي الاثيني الديمقرطي هي ( المساواة بين المواطنين ، الحرية ، احترام القانون ، العدالة ، طاعة من في موقع السلطة ، المبادرة لاتخاذ القرارات مباشرةً = الديمقراطية المباشرة )
وان كان البعض منها متداخلا كما سيتبين لاحقا كالحرية والمساواة والعدالة ..
وعلى العكس من السمات الايجابية في المثل والقيم الاثينية فهنالك مواصفات اخرى يمكن وصفها بالسلبية داخل النظام الديمقراطي الاثيني وهي :
الصدامات بين جماعات قيادية متنافسة . /شبكات تواصل وتآمر غير رسمية / بروز تكتلات شديدة التعارض تتخذ تدابير سريعة وحاسمة / هشاشة الجمعية العامة امام اللحظات المشحونة بالاثارة .
التنظيمات السياسية في اثينا :
الهيئة السيادية الاساسية = الجمعية : وتتكون من 6000 مواطن عملها هو ( جبي الضرائب ، اقرار النظام العام والمحافظة عليه ومراقبته ، النفي ، اقامة الحروب ، اعلان السلم ..)
الهيئة القضائية = مجموعة من القضاة : عددهم عشرة ينتخبون لمدة سنة ، مهمتهم هو ادارة جلسات المحاكم والحكم بالادانة او البراءة .
مجلس تنظيم القرارات : وعدده 500 عضو ، نسبة للعدد الكبير لاعضاء الجمعية يوكل امرتنظيم قرارات الجمعية واعمالها الى هذا المجلس .
لجنة الـ 50 عضو لتقديم المقترحات : تشكل من قبل مجلس الـ 500 ومهمتها تقديم المقترحات للجمعية ، ومدة اختيارها تكون لمدة شهر ويترأسها شخص واحد وليوم واحد .
مجلس الاحد عشر : ينتخبون بالقرعة سنوياً ومسؤليته ( السجن واقامة الاعدامات ) .
رأي افلاطون بالنظام الديمقراطي :
يجب ان نفهم بداية ان رأي افلاطون بالديمقراطية كان خاضعا لمبررات عدة مما جعله يظهر كردة فعل لها ، ومن تلك المبررات :
· هزيمة اثينا في حروبها تحت سلطة الديمقراطية وما سببته تلك الحروب من هلاك المدينة وتدهور احوالها .
· محاكمة استاذه سقراط واعدامه بشرب السم بتهمة افساد العقول والتعدي على الالهة ..
ذلك جعل افلاطون يكون رؤية او نقد فلسفي حول الديمقراطية فهو يرى هنا ان الديمقراطية هي صيغة مجتمع يعامل الجميع على انهم متساوون وهم ليسوا متساوون ، وذلك لميل افلاطون لحكم القلة المميزة بفضيلة المعرفة ، اذ لامساواة عادلة هنا ، وكذلك فان النظام الديمقراطي يجعل كل فرد يفعل مايريد تحت عنوان الحرية وهذا سبب الفوضى والغوغاء ويضرب مثال السفينة والربان .

رأي ارسطو بالنظام لديمقراطية :
بالرغم من موقفه الناقد للنظام الديمقراطي فانه يرى ان هنالك سمات عدة للديمقراطية يمكن اجمال اهمها بما يلي :انتخاب الجميع من قبل الجميع / حكم الجميع للجميع بالتناوب / شغل المواقع بالاقتراع / عدم جواز تولي المنصب نفسه مرتين للشخص الواحد / هنالك فترات معينة ومحددة لكل المناصب / عضوية الجميع للهيئات السياسية منتخبين من قبل الجميع / الجمعية سلطة السيادة في كل الامور /..
نهاية الحكم الاثيني الديمقراطي :
هنالك اسباب عدة لافول نجم اثينا الديمقراطية ومنها :
1/ اعتماد اثينا على العبيد لتشغيل مناجمها التي تعد مصدر التمويل لها ولزراعتها كذلك ، وبذلك يتبين هشاشة البنيان الاقصادي لدولة مدينة اثينا 2 / غياب البيروقراطية او موظفي الدولة فلا مؤسسات ادارية او تنظيمية وذلك زاد من ركة الوضع الاجتماعي والسياسي بالاضافة الى الموقف الاقتصادي لاثينا 3 /التكلفة المالية الكبيرة التي كانت تتكلفها اثينا من الحروب والقتال وتزايد تكاليف الاسلحة وتقنيات القتال ، ذلك جعلها تفقد استقلاليتها وانضمامها في ما بعد الى مدن اخرى .
انتهى النظام الديمقراطي الاثيني لكنه سجل نموذجا استثنائيا في في تاريخ الديمقراطية على مستوى الفكر والممارسة .