السلطات الأصولية وصراعها: المنطلقات الغائمة والنتائج العنفية .

السلطات الأصولية وصراعها:  المنطلقات الغائمة والنتائج العنفية .


آليات الصراع تبدو تمثيلا للمجد وإثبات الهوية والمصالح. فأين كل معاني الإنسانية التي حاولت الأديان حسب معتنقيها وعلى تعددها أن تدعو لها؟

بقلم: د. علي عبود المحمداوي




بعد أن تستحكم الأصوليات على محيطها الجغرافي الوطني- نوعا ما - (وذلك ما لمسناه في المنعطفات الجديدة لحركات الإسلامويين) تبدأ بالتفشي والانتشار كأمراض معدية خارج الحيز الوطني لتصنع لها حيزا دوليا، وتخلق لها صورة مرعبة ومستفزة ومستكرهة من الآخر، صورة بشعة ترتسم في أفق تاريخ دموي منذ 15 قرنا، هكذا هي الصورة وليس ما نتصوره نحن فقط، والأصوليات هي تسمية راجت مؤخرا لتصف الفهم المتطرف والمتشدد والعنفي للاسلامويين.

أود في مقالي هذا أن اكشف مباني الصراع الذي هو حليف ماهية الأصولية، والعنف ومسوغه لديها، لذلك فإنني أسعى إلى عرض وتحليل أنواع الصراع الحاكم لأصل التعامل الحضاري أو الدولي (صراع الأصوليات)، اعتقادا مني أن الصراع هو الصورة الأخرى لعملة الأصولية، فالحقيقة المطلقة والواحدة تصنع نرجسية عنفية، وهنا ينبثق التساؤل: ما مستويات الصراع وما دوافعه؟ قد يبدو هذا التساؤل ساذجا ومشبعا بالبحث، لكن مما لاشك فيه انه السؤال المركزي لحكاية الإنسان في عالمنا اليوم، وعليه فإن تلك المسوغات والدوافع هي:

‌أ- الصراع من اجل المصالح: والحقيقة إن هذا النوع من الصراع هو ما وجه الغرب في الحقبة الحديثة والمعاصرة وفي أكثر تحركاته نحو الآخر في الشرق (الإسلام وجيرانه)، إذ المواقع الإستراتيجية للقواعد العسكرية من جهة ، وللعمال الاقتصادي كمادة خام وكسوق تصريف من جهة أخرى ، فالعالم الإسلامي مستهلك وبدرجة عالية ، على الرغم من كل ما يمتلكه من ثروات ومواد أولية، وهذا النوع من الصراع تجلى واضحاً في أغلب إن لم تكن كل حروب الدول الأوربية بعنوان الاستعمار، أو حروب أميركا بعنوان نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والأنموذج الليبرالي الأميركي، و"تمايز الحضارات الديني واللغوي والتاريخي والثقافي، لا يؤدي إلى الصدام والصراع، وإنما الذي يؤدي إلى الصدام والصراع، هي المصالح السياسية والاقتصادية والإستراتيجية العليا".

‌ب- الصراع من أجل القيم:

وهذا الضرب من ضروب الصراع يمكن أن يلاحظ جلياً في كونه المبدأ المتبنى من قبل الاتجاه الإسلامي = المصطدم بالغرب، وصراع القيم هو المبرر الأساس لفكرة الجهاد عند المسلمين (الحرب المقدسة)، ومن ثم فاللين والتولي والتسامح والتعامل السلمي مع الغرب مرفوض في المصطلح الديني (لمنظومة الأفكار الإسلامية المعادية للغرب والمتصارعة معه) لأنه كافر! لا يجوز التعامل معه بهذا الشكل.

والحقيقة الأهم مما سبق، إن القرآن نفسه حمال أوجه! وفهمه في بطون! إن القرآن سطوح وفهمه طبقاتي!

فكل فهم يفتح فهما آخر، هنا يلعب التأويل الدور الأساسي فيه بعد فك شيفرة التفسير الترابطي بين مدلولاته الحرفية، إلا إن الفاعل الأيدلوجي منه وغيره، يحاول أن يدخل بين العلامة والمعنى، انه المؤول، لكن تعددية المؤول والعلامة الطبقاتية والمعنى المرجئ والمتشضيء في بطون، يجعلنا أمام إمكانية قيام حقائق أخرى بالقوة نفسها التي يحملها الأصولي، إنها صراطات مستقيمة كما يحلو لسروش تسميتها، ولا صراط مستقيم واحد. لذلك نجدنا أمام تراث مقابل لتراث الصراع القيمي، بل قبول قيمي على أساس التعددية، إلا انه خجول تاريخيا وواقعيا وقد يؤد استقباليا!

إذ لا يمكن أن نعّد ما سبق من مصادمة الآخر ورفضه من الفكر الرافض للغرب (بعنوان الكفر وحرمة التعامل) هو الرأي الحاسم والأساس في تعامل الإسلام مع الغرب، فالثقافة الدينية أو التدين الحاصل لدى المتبنين لهذا الفكر والذين حدوا به إلى الظاهرية والحرفية والحدية والجمود (الأصولية)، جعلوا من الدين الإسلامي حكرا على فئة من دون أخرى وكذلك جعلوه يظهر أمام الآخر بأنه لا يفهم معنى التسامح، ولا يتعامل بغير لغة الدم والقتل، بالرغم من إنني لا أبرئ الطرف الآخر الغربي من ارتكابه للقتل وممارسته للعنف، إلا انه لا يعني أن يقابل ذلك الفكر بشبيهه وان كان خاطئاً.

والتعارض الحاصل في ظاهر النص والفكر الديني الإسلامي هو محل جدل كبير إذ إن البعض من الآيات نسخت لتحل محلها أخرى، وبعضها نزلت (!) من اجل حادثة تاريخية معينة وجاءت وصفية أو توجيهية في حينها وهي الآن ليست إلا نموذجا تاريخياً يتلى لضرب الأمثال واخذ الحكم، وغيرها تناقض في المعنى الذي قد تحمله آيات أخرى، ولعل فهمنا هو من يحمل التناقض، إلا أن الفهم المتحصل لدينا هو الآخر تراث مفسرين القرآن ومؤوليه! وما يهمنا هو فاعلية الآيات والنصوص الدينية الآنفة الذكر التي تدعم الفكر المعتدل ومبدأ التسامح والقبول بالآخر ومدى قوة هذه النصوص وثباتها، وكيف يمكن الإفادة منها لغرض الدفع بإتجاه السلم الديني والثقافي.

‌ج- الصراع لإثبات الهوية:

كما ويمكن تلمس كيفية كمون صراع الأصوليات في مسألة الهوية من جانب؛ إن الكل يريد هوية الأوحد في العالم، وإذا لم تكن أو لم يستطيعوا أن يقوموا بها فعلى اقل التقديرات يجب أن يكونوا كيان مستقل في مواجهة الآخر، هكذا هو خطاب الهويات الأصولية، إلا أنه لايمكن القول إن مسألة الهوية تنطوي تحت عنوان الصراع وانه لايمكن تحصيل الهوية أو التعريف بها أو الاعتراف أو الاحترام لها إلا مع الصراع، فهذا هو الفكر الأصولي بعينه إلا أن الحقيقة أن الهوية ترافق التسامح والتعاون الذي يصور الهوية على أجمل ما تكون لاكما تصورها عملية الصراع والصدام والحروب، (وان كان قد حصلت بسبب الأصوليات) فالهوية وما لها من تأثير في عملية الصراع الحضاري لا يمكن أن تعد أمراً بسيطاً أو هيناً، إذ أصبح موضوع الهوية في الأدبيات السياسية والفلسفية والاجتماعية رائج التداول، لأنه كان سبباً وشكلاً لكثير من الصراعات التي أخذت شكل الصراع من اجل نيل الاعتراف وتضخيم الذات.

هكذا تبدو آليات الصراع تمثيلا للمجد واثبات الهوية والمصالح، فأين كل معاني الإنسانية - التي حاولت الأديان حسب معتنقيها وعلى تعددها- أن تدعو لها؟! اعتقد إن الأمر أكثر شائكية من أن يفهم ببساطة، لكن عرضه على علاته يتيح محاولات فهمية مسكوت عنها.

فلسفة التاريخ: من فهم الحدث الى اليوتوبيا.

yyy
فلسفة التاريخ: من فهم الحدث الى اليوتوبيا: 

تمثل العلاقة بين الفلسفة والتاريخ: تفاعل الامومة والأبوَّة على العلوم والمعارف. ويستدعي الجمع بينهما (بعنوان فلسفة التاريخ) رهاناً يتجاوز فرديتهما، بدمجهما. انه الذي يحيط بكبريات ميكانزمات الفهم الانساني لافقه الزمني، وبأكوام الاحداث المتراكمة لتخلق بنى، ونتوءات داخل مسار الحياة الانسانية. وذلك الرهان ينفتح على مجموعة من الاستفهامات: كيف نفهم التاريخ؟ ما محركات ذلك الفهم؟ وان كانت في طبيعتها اسئلة قديمة، الا انها تتجدد اليوم، بوصفنا كائنات لانزال حبيسي ورهيني تاريخنا (تراثنا). واسئلة اخرى تنفتح عن السؤالين السابقين هي: أ يمكن ان ننفلت من تاريخنا؟ وهل الانفلات ذلك يتيح مكاناً لانسانيتنا دونما تاريخ؟ لاجل ماسبق من الاستفهامات، تبدو استعادة فلسفة التاريخ مسوغة. لكن ان كان للتاريخ تلك السلطة الابوية للماضي الذي لايتغير، ومن ذلك "الثبات" يأخذ قوته، فكيف يمكن للفلسفة ان تخترقه وتتساءل عنه؟ ومن ثم تؤثر فيه؟ الحق، ان الفلسفة اليوم وبقراءتها الهرمينوطيقية للتاريخ انما تعيد تمثُّل التاريخ بزمنيته وزمنيتنا من اجل افادة ممكنة لذلك المد المنطلق. فهي تجعله محاسبا من جهة، وتحقق معه لكسب رهانات تتعلق بالمستقبل من جهة اخرى. لذلك تبدو اكثر همة واوسع فضاءا، واكثر تحررا في ادواتها، وهي تلازم السيرورة النقدية المراجعاتية، فلاتجمد ولاترتكن الى تقليد دونما اعادة فحص، لان الفلسفة؛ تفلسف والتفلسف فاعلية بنقده وتأمله وعقلنته وتحليلاته وتركيباته. لذلك ستنفتح الفلسفة دوما على القادم لانها فكر. بينما التاريخ حدث الفكر. وبين الفكر وحدثه ملازمة ووحدة عضوية تشكل الفهم. لكن تلازمية محاولة الفهم، هذه، أتُحكَم باطار نظري سابق؟، أم أنها تبقى مفتوحة كما هي ماهية الفلسفة؟ هنا تنشطر طرق الاجابة: الى عقائد ايديولوجية ونظريات مذهبية سياسية، ودينية، وعرقية، فتحت أبوابها لتحدد مسارات الفهم تلك، في محاولة لسجن الفلسفة وتحويلها من طبيعتها الحركية إلى طبيعة الحدث؛ التاريخ السكوني. فبين ان نتصور التاريخ ذو منطلق عناياتي/ لاهوتي، وبين ان نفصله عن تلك الارادات وما لحقها من الاسطرات، أو ان نلجا الى فهم الماضي بوصفه متميزا، وخارقا، دوما، كما في التصور اليوناني القديم، والذي تستدعيه كثير من الحركات الاصولية اليوم، فالسلف اكثر تقديسا دوما من الخلف، وهذه الرؤية تحبس الفلسفة وتضع في يديها قيدا، بل تحاول ان تلغي فاعلياتها لانها ستحولها الى حدث جامد. تتالت التصورات التأطيرية للفلسفة ونظرتها للتاريخ لتجعل المهمة منحصرة بمنهج دائري يستعيد ذاته، ويلفظ انفاسه، ويكرر نفسه في دائرة بايلوجية، من الطفولة حتى المشيب والولادة من جديد. في حين تصور البعض طريق التاريخ بداية بلا نهاية، بوصفها النظرة التفاؤلية الانسانية التي التصقت بتصور التنوير للتاريخ. فيما صدمت التفسيرات المادية التاريخية تلك التقدميات التنويرية، بارتيابية تجاه مشاريع الخلاص تلك (التنويرية) المرسومة بفرشاة برجوازية وقفت وتقف بوجه طموحات الانسان العامل الذي لايملك الا جسده، وعليه تحولت المهمة التاريخية وكانها ثأر، واستعادة سلطة؛ ثم لتفجرها تلك الاردات من الداخل معلنة المجتمع السعيد. وفي فلك اليوتوبيات المتخيلة تلك دارت جل فلسفات التاريخ، ولعل مايجعلها تقع في اللاوقعية هو مشكل العلوم الانسانية وقدرته على التنبو. مماسبق، يجر معه مشكل اكبر يجعل امر التفسير الدقيق الذي ينتج نظرية دقيقة ومن ثم نتيجة واضحة واكيدة، امر مفارق لطبيعة العلوم الانسانية لانها علوم تقبل الفهم. والتأويلية التي ترافق عملية الفهم تلك تجعل من النسبية والتعددية امر لاانفكاك منه. لكن في كثير من الاحيان كان لليد المنظومية القسرية– الايديولوجيا امرا على تعمية النظر الحر. بدا التاريخ وكانه يتحول من "احداث" ليتفكر حولها، لتنتج بقسر ايديولوجي "فلسفة التاريخ"، لتطلق صلتها بالواقع المنتج لها، لتتحول الى يوتوبيا، ومن ثم الى عقيدة (دين) يحولها في مابعد الى نوع من الاسطورة. ياله من درب! يصدمنا بواقع الادلجات والتقييد لمسارات التفلسف. واليوم هنالك تفسيرات تكشف مدى التلاعب والتصنيع الى مستوى تحويل الزيف الى وقائع بفضل تقنيات الاتصال والهيمنة الاعلامية. لذلك، علينا ان نحافظ على حركيتنا بوصفها نوعا تحرريا من تلك الادلجات في تخليص فهومنا للتاريخ من قيودها، والحذر من الزيوف التي نقذف بها. وعلينا ان نتفكر في الاحداث على محك نقدي لايهدف الى التنبؤ، بقدر معرفة الشروط التي يمكن ان تصنع ذلك المستقبل، والعمل على تحقيق مايمكن، دونما العبور على وقائعياتنا وكينونتنا. تفتحنا زمنيتنا على المستقبل، ذلك اكيد، لكن ذلك الانفتاح لايعني امكانية الكشف عنه (المستقبل)؛ انه المجهول الذي ينبغي لنا ان نسير بارتقاب اليه ومعه.
 

كتابنا الجماعي الجديد : «يورغن هابرماس» العقلانية التواصلية في ظِل الرهان الاتيقي


«يورغن هابرماس» 
العقلانية التواصلية في ظِل الرهان الاتيقي 
في نقد العِلموي والديني والسياسي





صدر بانجاز الرابطة العربية الاكاديمية للفلسفة
«يورغن هابرماس» 
العقلانية التواصلية في ظِل الرهان الاتيقي 
في نقد العِلموي والديني والسياسي

اشراف وتحرير
الدكتور علي عبود المحمداوي
الناصر عبد اللاوي

المسهمون:

د.محمد سبيلا
د. محمد المصباحي
د.عزالعرب لحكيم بناني
د.حسن المصدق
د.محمد عبد السلام الاشهب
د. أحمد عطار
د. حميد لشهب
د. صلاح الجابري
د. عامر عبد زيد
د. علي عبود المحمداوي
الناصر عبداللاوي
عبد العزيز ركـح
عمر بن بوجليدة
عبد الرزاق بلعقروز
جميلة حنيفي
ابن ناصر حاجة
رائــــد عـــبـيـس مطلب
نبيل محمد صغير
هناء علالي


من المقدمة
تتمثل الدوافع التي دعتنا الى إنجاز عمل حول الفيلسوف الألماني هابرماس في تفعيل دور التفكير الفلسفي في إنتاج معقولية نقدية تحررية تقوم على إعادة بناء مقتضيات العقلانية التواصلية . و تحددت مجالات اهتمامه في أخلاقيات النقاش و الفضاء العمومي مرتفعا عن الخطاب الميتافيزيقي الذي يجد مقاصده في الكلية العملية للأخلاق . ولعل هذا ما يرسخ تقاليد فلسفية تكون لها صلاحية أفضل تجد حضورها الحيوي في ذلك الخط الفكري الذي انتهجته الرابطة العربية الأكاديمية للفلسفة التي تنفتح على كل المقاربات الفلسفية ذات الصلة بالإنسانيات دفاعا عن الرهانات الكبرى في الخطاب الفلسفي المعاصر .
ولعل أعمال هابرماس بما تكشف عنه من غور في تناظر المشكلات وتفعيل إيتيقا الحوار وتجسيم المعقولية التواصلية هي تجاوز لمنطق الخطاب الشمولي وتوجيهه إلى نموذج مشاركة وذلك اعترافا متبادلا بين كافة المعنيين في عملية الحوار. فهذه القواعد التي أرسى دعائمها هابرماس حتى تكون بمثابة الشروط التي تسمع لنا برفع المناقشة الفلسفية إلى أقصاها.وهذا ما يدفعنا وجوبا أن نذكر بمبررات تأليف هذا الكتاب .وهي عبارة عن نقطة نقاش دارت بيني وبين الدكتور علي عبود في توثيق عرى الوصل بين المعقولية التواصلية ومقتضى الإيتيقي في أعمال هابرماس وقد حصلت لنا قناعة اختبار هذه الفكرة في مقاربات معاصرة تأخذ ذالك التواشج الذي تنتظم فيه كل أعمال المشاركين في العملية الإبداعية لإخراج مشكلات النص الهابرماسي وتأويلها وفق سياقاتها .

المشروع العقلاني- الديمقراطي من واقع الاستبداد إلى المخاوف من الحكم الأصولي



المشروع العقلاني- الديمقراطي من واقع الاستبداد إلى المخاوف من الحكم الأصولي
 د. علي عبود المحمداوي
 مدرس الفلسفة في كلية الآداب – جامعة بغداد


 لطالما شكَّل النظام السياسي أداة للإصلاح والتدمير، أداة للهيمنة والحرية، هكذا نجد المتضادات يتناوبن على قالب السلطة، واليوم ما محل السلطة كأداة من وجه التحركات الإصلاحية الحاصلة في الشرق الأوسط ولاسيما العربي منه؟ هل أفل نجم الاستبداد؟ هل جاء دور الاسلامويين- الأصوليين من جديد؟ أم أن هنالك بارقة أمل في تبني خيار المشروع العقلاني- الديمقراطي؟ هذه هي أزمة الحياة الجديدة، حياة مابعد الاستبداد، اعتقد أن المشروع الديمقراطي الذي طالما سمعناه مخلصا ومنفذا لازمات دول ومجتمعات كثيرة، قد حان وقته ليحمل مشعلا لانارة درب البدائل في الواقع الإسلامي والعربي، إلا أن المشكلة الأساس اليوم تكمن في حذر هذه البدائل وامكانية الاخذ بهذا المشروع. فلايمكن أن تكون الديمقراطية العقلانية هي البديل الوحيد، بل إن هنالك مشاريع استبدادية وأصولية أخرى تلوح في الأفق! فواقع الدول العربية اليوم لا يبشر بمجيء النظام العقلاني، وان قبلنا بإمكانية قيام نوع من الديمقراطية، لكن وبسبب حالات الخضوع والخنوع التي استعملها الحكام العرب المخلوعين منهم أو السائرين صوبهم، أو من ينتظر نحبه، كلهم صنعوا تخندقات وبؤر ومنابع تغذي الفكر الأصولي التطرفي الإسلامي، وهؤلاء المصنعون، اليوم، يسيطرون على كثير من المجالات المؤسساتية الحكومية وغير الحكومية، إنهم يسوغون -بمعارضتهم للنظم الاستبدادية العلمانية- مشروعيتهم كاسلاموقراطية، وهذه مشكلة كبرى تنبثق في الحياة الجديدة للشعوب والتي لاتزال هلامية الهدف والإرادة. ما الحل؟ هل من استشراف؟ الواقع لا يعطي القدرة على التنبؤ بقدر ما يجعلنا قادرون على كشف ملامح خطيرة في حصر البدائل بالاستبداد، أو إرفاق الديمقراطية بنزعة اسلاموية متطرفة، وبسبب تلك المخاوف فإن الديمقراطية ،اليوم، تحتاج إلى توفير الكثير من الدعائم البيئية لغرض جعلها البديل الأوفر حظا في معادلة قبيحة إن استمرت على حالها. وهذه الأسس والدعائم يمكن أن تجمل بالاتي: أولا: صنع مرحلة الوعي: الوعي بالمشكلة، وتقع مهمة هذا الأمر على قادة الثورات الشعبية اليوم، كما إنها مهمة كبرى آنية للمثقف العربي الذي غاب عن القيام بالثورة، فعليه إتمامها وتقويم مسارها نحو العقلانية. ثانيا: تعميق التثوير: وهي مرحلة تتصف بمواصلة النقد والتقويم بصفته تثويرا أي استمرارية لمشعل الثورات الديمقراطية اليوم، كيف ذلك؟ بالعمل على الحد من هيمنات المؤسسات الدينية داخل المجتمع حد خرابه؛ إننا بحاجة إلى تنمية وعي المطلب الأول لجعله تثوير باتجاه هدم المرتكزات البيئية للاستبداد بطرفيه الديني والعلماني. ثالثا: العمل على التأسيس: وهي لحظة مواكبة للمرحلتين السابقتين: هذه مرحلة لاتقتصر على الفيسبوكيين أو النخب المنعزلة حين الثورة، ولا على القانونيين المراد لهم اليوم المساهمة في خلق جو دستوري جديد، بل هي مرحلة تحتم على كل مواطن عربي- في إطار حدود مواطنته، أن يعمل من اجل إيقافها بلا عكازات الأصوليين أو الحنين إلى الاستبداد، إنها سبيل تحقيق الذات العربية المنهوكة والمجروحة من تراث قاسي وعنيف، وقد تستمر إلى مستقبل مخيف. إذن لا سبيل إلا في مواصلة التثوير والتأسيس، إنها عملية هدم وبناء، لا يخفى علينا كونها مهمة صعبة، إلا أن الإطاحة بأنظمة عربية فاسدة وأخرى على طريقها، كان من المستحيلات في يوم من الأيام، وليس من الصعب فقط. هذه أسس تزامنية تارة وتعاقبية أخرى، وهي بيئة تساهم في خلق إمكانيات الديمقراطية العقلانية، ديمقراطية تبدأ بتحقيق أساليب التداول السلمي للسلطة والانتخاب، لترتفع نحو إقرار سيادة قانونية، لتساهم في تنمية المجتمع وتزجه في مصافي الدول والمجتمعات الحديثة، وما سبق من الهم هو مشكلة جوهرية في الملائمة بين صفة المجتمع وشكل النظام ، فـ(فيبر) مثلا يصنف المجتمعات وإمكانية انبثاق الأنظمة السياسية عندها بالاتي: - مجتمعات تقليدية تنتج سلطة تقليدية ، قبلية ، مستبدة، متخلفة. - مجتمعات التحول الخارجة من محنة القبلية والتخلف أو مسار التحول، تعود لفكرة الإلهام السياسي أي إن القائد يصبح ملهما سياسيا وكاريزما حاكمة يجب التشبث بها. - أما المجتمعات الحديثة فهي ترافق السلطة العقلانية، إنها المجتمعات الخارجة من كل أزمات التقليد والإلهام والخنوع، إنها القادرة على خلق نظام ديمقراطي عقلاني. ها نحن اليوم والفرصة مؤاتية، لكي نأخذ ونتمسك بالمطلبين مطلب مجتمع حديث، وسلطة عقلانية. من أين نبدأ؟ هل نبدأ مجتمعيا؟ أم سلطويا؟ سؤال تراثي وحداثوي، ليس بالجديد، وكما اعتاد العقل العربي في إيجاده لحلول ثلاثية: إما من السلطة أو من المجتمع أو بكليهما، أقول انه لابد من كسر لنسق ميتافيزيقي سيطر على فهمنا للحقائق، وذلك بإيجاد مخرج جدي وحل جذري قابل للتحقق، إنها فرصة الحل بلا خيارات قسرية، نحن نرغب بقصص ومرويات صغرى تحل أزمتنا الحالية لا مطلقات أيديولوجية، وسرديات كبرى، لم تسلمنا إلا لأيدي الاستسلام، هو حل الوعي- النهضة، و التثوير، من اجل تنوير كامل، وتنحصر إجابتنا البديلة عن الثلاثية القسرية، الآنفة الذكر، بكونها الكل واللاكل، إنها حل الفرصة من أينما ما جاءت، نحن أمام لحظة اغتنام فرص، لكي لاندفع ثمن تاريخ يراد له أن يكتب، الفرصة الأفضل هي الإجابة، إن حصلت مجتمعيا بدأنا بها وان تمثلت بإصلاح سياسي- سلطوي فلامناص عنه، بل وان كان كليهما كان الأجدى بنا أن نمسك بها كلحظة انعطافية جديدة في الفكر والواقع العربي، الذي لم يشهدها من قبل. وها نحن اليوم نلمح لحظات الوعي المجتمعي وصناعة السلطة العقلانية، فكأننا أمام واقع يتحقق لأول مرة في مسارنا التراثي، هل سنبحث عن الملهم أم سنتقهقر إلى قبيلتنا، وهويتاها الضيقة، قد تعترضنا مشكلة أخرى في مسارنا نحو العقلنة وهي اصطدامنا بأوهام قبيلة جديدة، إنها قبيلة المذهب والطائفة، لكننا لابد أن نعول على مراحلنا السابقة ولاسيما مرحلة الوعي بالمشكلة التي ستجعل من الهوية المواطنية هي وسيلة المشروع العقلاني، هانحن مرة أخرى أمام أماني جميلة وحاملة للأمل هي تلك التي لاتريد أن نتراجع عن الإمساك بمعطى الاستبداد أو مبنى الأصولية و الانتصار لمسار تاريخ مغلق، بل إلى مستقبل بلا قيء التراث، مستقبل مشروع يراد له أن يهدم المباني والمعطيات التاريخية والتنشوية المقيتة في واقعنا العربي. آمال وشكوك هي حالنا.
 

صدر كتابنا الجماعي : "فلسفة الدين : مقول المقدس بين الايديولوجيا واليوتوبيا وسؤال التعددية"


صدر كتاب :
"فلسفة الدين : مقول المقدس بين الايديولوجيا واليوتوبيا وسؤال التعددية"

عن منشورات الاختلاف والضفاف ودار الامان، 
كتابنا الجماعي الذي اسهم فيه مجموعة من الاكاديميين العرب.
فمبارك لهم  ولدور النشر وللقاريء هذا الانجاز




المسهمون في الكتاب:
انجز هذا الكتاب ضمن مشاريع الاستكتاب الجماعي للرابطة العربية الاكاديمية للفلسفة واسهم فيه:

دراسات:
علي عبود المحمداوي/ العراق
محمد المصباحي/ المغرب
اسماعيل مهنانة / الجزائر
محمد شوقي الزين/ الجزائر
 اليامين بن تومي/ الجزائر
 ڤواسمي مراد / الجزائر 
صلاح الجابري/ العراق
رشيد بوطيب/ المغرب
عامر عبد زيد / العراق
 بشير ربوح / الجزائر
لطفي حجلاوي / تونس
جاسم بديوي / العراق 
محمد جديدي / الجزائر
عباس حمزة جبر / العراق
ميثم محمد يسر/ العراق
نبيل محمد صغير / الجزائر
عبد الله عبد الهادي المرهج/ العراق
يو سف بلعربي / الجزائر
نبرا س زكي جليل / العراق

ترجمات:
صلاح الجابري
رشيد بوطيب
نور الدين علوش


من المقدمة:
فلسفة الدين: المقدس والبشر ما شيفرة العلاقة!!؟

لاجدل أن العلاقة بين الدين والفلسفة، أو العكس، كان لها تاريخ كبير من الصور والأنماط التي لاتزال تنعكس على واقعنا الراهن، بأنماط أكثر حدوداً وجلاءاً. تراوحت تلك الصور بين هيمنة طرف على الآخر، أو على شكل التقاء وائتلاف يحاول أن يقلل من قوة الصدام بينهما، بل ويلغي وجوده أصلاً، وجاءت الصورة الأخرى على إنها انفصال لا أصل لقاء فيه ولا أمل في عودة إليه. تلكم الثلاثية النمطية هي تكرارية لتصورات الفهم الإنساني في كثير من مواقفه الفلسفية من الحياة بل وحتى الدينية منها. فأما النفي أو الإيجاب أو البين بين.
"
فلسفة الدين" مصطلح يراد به إمكانية الدرس الفلسفي لمقول الدين. لكن ما معنى أن نتفلسف حول الدين؟ وهل إن الدين يتيح ذلك أصلاً؟ وان كان لايتيح من يعطي الفلسفة دور الزعامة والمركزية في استنطاق النص والعقيدة والسلوك الديني مساءلة عقلانية؟ وهل من عقلانية في الدين؟ وهل يصح حقاً ان نقول إن فلسفة الدين هي: دراسة اللامعقول باليات عقلانية؟ وهل سيبقى شيء من الدين في خضم محاكمة العقل؟
كل ماسبق يفتح فضاءا فكريا وتخصصياً لموضوع فلسفة الدين. انه السؤال الذي يشكل المنظومة الفلسفية. في قبال منظومة الإجابات التي يشكلها الدين. فبين الشكل والدهشة والتأمل والاستفهام المزمن من جهة، وبين اليقين والطمأنينة والقنوع والإجابة اليقينية الإيمانية من جهة أخرى، مناوشات سجالية لا حد لها.
هنا يبزغ فجر عقل يراد له من جديد أن يعيد إمكانيات خروج الإنسان من قصوره، إن فلسفة الدين بما تحويه من سؤال الدين عن طبيعته وسلوكه وتقاليده، إنما تعيد هيبة الإنسان الذي ضاع في الميثوس. أساطير قديمة وعصرانية لا سد لجريان انسكابها في الواقع المعاش. في كل هذا يراد لنا أن نستعيد معنى كينونتنا بالسؤال. السؤال الذي يعني إمكانيتنا على التفكر في قبال ماهو ممنوع ماهو تابو ماهو مقدس، بأدوات المرغوب والمباح والمدنس. لكنها صورة متطرفة تلك التي تكتفي بطرف دون أخر، وكذلك هي صورة هجينة عنقائية تلك التي تحاول أن تلائم بينهما! فأين يمكن ويكمن التفلسف حول الدين؟ انه في السؤال عن ماهو المسوغ اليوم لضرورة وجود الدين، وماهي الصورة المطلوبة لأديان الراهن من أن تتشكل في صورته؟ وماصورة الدين بعد أن فقد كير من المقتنعين به على مختلف سبل الحياة، ذلك الفقدان الذي جعله ينحصر في كونه سلوك عبادي طقسي ليس إلا؟!!

مسألة الدين عند هابرماس..
















يشخص هابرماس، في خطابه عن الدين وعلاقته بالعَلمانية، ملاحظتين: الأولى، الذعر الذي خلفته عمليات الحادي عشر من سبتمبر من جهة، والثانية، مشكلة نتائج التسطيح الثقافي في زمن انتشار وسائل الإعلام، والذي بدأ خصوصًا بظهور التلفزيون، فلم تكن الثقافة النقدية في الماضي لتنحط إلى مثل هذه الثرثرة العاطفية وهذه السفاهة المنفلتة التي نشهدها اليوم. وفي مثل هذه الوضعية، يرى هابرماس ضرورة أن نطرح قضايا ذات أهمية كبيرة. ومنها تلك المرتبطة بالشعور الأخلاقي، وهي التي يمكن التعبير عنها حسب هابرماس في لغة دينية. وهو ما يعني أنه حتى في المجتمعات العَلمانية تبرز الحاجة إلى الإرث الديني: إن العَلمانية التي لا تتدمر، تتحقق كترجمة للخطاب الديني وتحوله إلى لغة دنيوية.
كريستن كينيب: المسألة الدينية لدى هابرماس.. جمال الفكر في تعدده واختلافه، ترجمة رشيد بو طيب، مجلة فكر وفن، معهد غوته، العدد92، السنة49، 2010، ص61.

كتابنا الجماعي: فلسفة التاريخ، جدل البداية والنهاية والعود الدائم

كتابنا الجماعي:  فلسفة التاريخ، جدل البداية والنهاية والعود الدائم
اسهم فيه نخبة من الكتاب الاكاديميين العرب 
من العراق والجزائر وتونس والمغرب والسعودية

اشراف وتحرير : د. علي عبود المحمداوي


التراث وتحديات العصر ... ندوة في قسم الفلسفة - كلية الاداب - جامعة بغداد



اقام قسم الفلسفة في كلية الاداب - جامعة بغداد  بتاريخ 9/5/2012  ندوة علمية بعنوان التراث وتحديات العصر حاضر فيها كل من:
الدكتورة فضيلة عباس مطلك
الدكتور صلاح الجابري
الدكتور علي جبار
الدكتور جاسم بديوي
الدكتور علي عبود المحمداوي

تضمنت مداخلتنا الكلام في المعاصرة وتحديات التراث ، فالتراث هوالتحدي وليس معاصرتنا. وتخلل المحاضرة استشهادات بمنهجيات التعامل مع التراث في الفكر الغربي من هايدغر وغادامير وهابرماس ومن ثم الاستراتيجيات التفكيكية والارتحالية من دولوز ودريدا  وكيف يمكن اسقاطها على الفكر العربي القائم على جذور نصية- دينية..

صدر كتابنا الجماعي " الفلسفة السياسية المعاصرة .. من الشموليات الى السرديات الصغرى"

الفلسفة السياسية المعاصرة: من الشموليات الى السرديات الصغرى

اشراف تحرير ومساهمة: الدكتور علي عبود المحمداوي
مراجعة : الدكتور محمد شوقي الزين والدكتور اسماعيل مهنانة



جاءت البحوث والدراسات المتضمنة في هذا الكتاب لتعالج موضوعات مختلفة، وباختلافها ذلك شكلت نسقا: نسق التحول المستمر، في سبيل مجاراة أسئلة السياسة التي تتراكم وتكثر وتفيض في كل يوم.

تناولت الدراسة الأولى، التي قدمناها، موضوع تحولات السلطة واصلها في الفكر الحداثي، بوصفه تمهيداً لمنطلقات الفكر السياسي المعاصر الذي تراوح بين معطيات عقل الحداثة ونقدها، بين تمجيد القوة والاستبداد والحكم المطلق وإنتاج الفوهرر، وبين معطى الديمقراطية الليبرالية اللوكية، والتماهي مع مطلب الكليات الكانطية أو استهجانها، وحتمية الجدل الهيجلي، كل هذه الإشكالات السياسية حضرت تأسيساً ونقدا لتشكل خطاب تاريخي وسم بكونه خطا الحداثة، والتي جعلت من خطاب الفلسفة السياسي اليوم بين قابعا في ثناياها ومدافعا عنها، وبين رافض لها طاردا لحكاياتها.

فيما قدم الأستاذ محمد بكّاي دراسة حول الأبـعـاد البـراجماتية في الـتفكير السياسي عند جون ديـوي محاولا من خلالها أن يعرض فكرة الاداتية بصفتها مزاوجة بين النظرية والممارسة، فالفكرة هي أداة للعمل، وكيف تحول الفكر السياسي مع البراجماتية- ديوي من بحث في التأملات واليوتوبيات والدوران حول مشكل النظام السياسي الأصلح بمطلقية التصور، تحول من كل ذلك إلى صنع الموقف السياسي التحليلي لوصف الإشكال السياسي والبحث عن حله بما يرضي الجمهور- المواطنين، لذلك تتحول الأفكار إلى ذرائع للفعل السياسي. كما وضّح بكّاي كيف يمكن للمنهج البراجماتي ان يعمل على تثوير العقل بالضد من القيم البالية والثابتة لتعريتها مما لا ينفع منها أو ما لا يمكن أن يتحول إلى عمل نافع في حياتنا بما فيها التصورات الأيديولوجية السياسية .

          بينما جاءت دراسة الأستاذ بشير ربوح لتشخص بناء التسويغ الرأسمالي للاقتصاد السياسي، مع ماكس فيبر، في قراءة عبد الوهاب المسيري، لذلك فهو يزاوج بين ما أنتجه فيبر وما خلفه (خلّفه)من قراءات وتأويلات له في ماهية الدولة الدستورية- الديمقراطية،  وارتباطها بالمجتمعات الحديثة، والمقابل مع المجتمعات المتخلفة وسلطتها التقليدية والمتراوحة بين التقليدية والكارزمية.

وراحت دراسة الدكتور إسماعيل مهنانة تجوب خبايا المحذور الفلسفي والغموض الهيدغري لتخرج بمقال يكشف انبناء السياسي على الأنطولوجي، اشتقاقا من سؤال هيدغر الأول والرئيس عن ماهية الوجود إلى الانوجاد مع الآخرين مع مفهوم الدازاين المقذوف به في العالم والمتحتم عليه المصير، مع المستقبل والسير نحو والموت والية وطبيعة التزامن ينكشف دور فيلسوف السياسة في استشراف المستقبل والتنبؤ به على معطيات الواقع الذي قرأه هيدغر بين مشاكل الزيف وطموح الأصالة.

          ويقدم الدكتور عامر عبد زيد دراسة عن ماركيوز، محاولاً فيها كشف ملامح الخطاب السياسي (النقدي) الماركوزي، من نقد الرأسمالية إلى استعمال الفرويدية المعدلة، لينتج موقفا، لطالما سعت له مدرسة فرانكفورت، إنّه موقف التحرر بالنقد. ومن خلال نقد للماركسية في إهمالها للبعد النفسي وتأكيدها على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية يتحول ماركيوز إلى مستدعي لفرويد داخل الحيز الفكري الماركسي محاولا طرح إمكانيات جديدة في التحرر من القمع المؤسساتي والسياسي الذي نشأ عن التحالف بين الفكر والتقنية.

          ويعد التزاوج الابستيمولوجي/ السياسي حقلا لتصنيف عمل كارل بوبر، والذي حاولت الأستاذة سعاد حمداش البحث في ثناياه وخباياه، مبرزة لمحركات (محركات) النص البوبري في مسيرته نحو المجتمع المفتوح والتعددي، وكشف الالتباس بشأن الديمقراطية، وتقرير بوبر حولها بأنها: ليست صيغة للإجابة عن من الذي يحكم؟ بل كيف يمكن تداول السلطة سلميا.

وأبان الدكتور محمد شوقي الزين أهمية الدور الذي لعبته حنه أرندت في الفكر السياسي المعاصر وينطلق من تفريقه بين الفعل والعمل، وكيف لابد من حصر الفاعلية السياسية بمعنى البراكسيس الذي يظهر في تأسيسه دائمة لفعلية التعدد والاختلاف والجدل والحوار.. والفعل بهذه الصورة هو جوهر السياسة لدى أرندت، ولذلك ترى أرندت انه يجب أن لا تكون السياسة خاضعة لمنطق الغايات والنهايات والمنفعيات بقدر ما تحمل من دلالة البراكسيس الذي يأخذ معناه من ذاته بأنه المسار والمنهج والفاعلية. ذلك لأن تحويل السياسة إلى الاداتية، بمختلف مجالاتها، يغرِّب الإنسان ويشيئه. بل ويحكم علاقته بغيره وفق منطق الربح والمنفعة فقط. والحل لدى أرندت هو في التركيز على البعد الأدائي للفعل السياسي وذلك ما تجلى بأبهى صوره في المحاججات والجدلات في المكانات العامة لمناقشة قضايا الرأي العام وشؤونه. وذلك شبيه بما كانت تمثله الاغورا من مكان – فضاء عام للتناقش حول المصالح والقضايا العامة للمدينة اليونانية .

يعمد الأستاذ محمد بن سباع إلى توضيح الموقف الميرلوبونتي من الوجهتين السياسيتين: الشيوعية- الماركسية والليبرالية المعاصرة، ويعرض نقد ميرلوبونتي للماركسية لكونها اختزلت التاريخ في البعد الاقتصادي، وكذلك لأنها ركزت على العنف وتناست الأبعاد الإنسانية، كما ينتقد الليبرالية لكونها مشروعا لسياسة العنف من جهة ولأنها لاتوفر ارتكازا تاريخيا، مما يجعلها تتناقض في تصوراتها عن حقوق الإنسان والحريات، فتبتعد عن حاجة الإنسان اليوم التي يمكن التعبير عنها: بتقويم الماركسية وفضح خبايا العنف في الليبرالية وضياع المعنى التاريخي في خطابها وممارسته.

وقدم الدكتور عبد القادر بودومة دراسته في موضوع الجمالية والسياسة في فهم النص الليوتاري فيجوب في سياسات مابعد الحداثة مع ليوتار ليفهمها بأنها إعادة تشكيل قيمي ومحاولة للتخلص من الحكايات الفائقة (النظريات التاريخانية الكبرى) ومن ذلك ينتقد الماركسية محاولا التدليل على لاعقلانيتها من خلال الآثار الناتجة عنها بل ويأسها وصنعها للألم، ولذلك يعلن ليوتار ضرورة القطع معها وبالقدر نفسه الذي كاله للماركسية من النقد نجد ليوتار يسجل اعتراضه ونقده على الرأسمالية ويطابق بينها والعدمية، ذلك لأن السوق – الرأسمالي لايبقي قيمة لشيء إلا الربح الذي يتحول لمنطق يحكم فيه. ويدمج ليوتار بين بعدي السياسة والفن، فيعرف السياسة بأنها: فن تشكيلي للدولة، وبالطريقة التي يرسم بها ويشكل الرسام لوحته نجد الكيفية نفسها هي التي تكون شعب انطلاقاً من الجماهير . ويلتفت ليوتار ومن خلال منطق الاختلاف الذي يتبناه إلى أن الديمقراطية ليست نظاماً سياسياً بالضد من الاستبداد بل العكس فهي تريد تكريسه بصورة متزايدة.

فيما عمل الدكتور قاسم جمعة على إبراز السؤال السياسي في ثنايا خطاب ميشيل فوكو. وكيف أن موضوعاته في المنبوذ والمقصى والجنس والعقاب تعد موادا ثرية للإشكال السياسي من وجهة النظر الفلسفية، وكان لفوكو الأثر الأبرز في تحديد ماهية السلطة وعلاقة المثقف بها وسلوك السياسي تجاهها.

وحاولنا في دراستنا الثانية في هذا العمل بعنوان: عصر السميولاكرا وعنف النظام، في نقد الفائض الصوري السياسي، أن نكشف عن مديات الاستلاب حيال الواقع المصطنع في منطق الاستهلاك اليوم، وكيف أن بودريار وبتبنيه لمنهج الفكر الجذري ومقولة موت الواقع، استطاع أن يقدم رؤية نقدية تسير بنا نحو منهجية الإفراط حد الانبجاس لكل أزمة يراد تجاوزها، هكذا بدا بودريار نقديا متطرفا من جانب، ومثاليا من جانب آخر لما انعكس عن مقولته في الواقع المفرط من ضياع لمفهوم الحقيقة في آلية كشفها التقليدية (تطابقا مع الواقع). هذا الاصطناع عكس بظلاله على الفعل السياسي وايدلوجية النظام العولمي المهيمن على البشرية، ليكشف بودريار بوساطة نقده وتحليله انه الحمّال الاكبر لرمزيات العنف وماتبقى من واقعيته. ويطبق نظريته في الزائف الصوري على قضايا حرب الخليج والعولمة والارهاب وحادثة 11-ايلول، لتظهر كلها حاملة لفائض رمزي يدفعها لتبؤ مكانة مؤثرة في خطاب السياسة اليوم دونما واقعيتها.

ومع الدكتور محمد عبد السلام الأشهب تم إماطة اللثام عن خبايا الشأن التواصلي الهابرماسي، فمن نقد الاداتية إلى التأسيس للتواصل كمنفذ للخلاص من أزمة فلسفة الذات يقدم الأشهب عرضا وتحليلا لأهم أفكار يورغن هابرماس في موضوع الفضاء العام والعالم المعاش والتواصل وسلطته، وكيفية إمكانية تأسيس الحق ببعده القانوني عبر المحاجات المفضية للاتفاقات في الفضاء العام وتأسيس لمفهوم المواطنية كبعد كوني. وكل ذلك بآلية تواصلية؛ بيئتها: الحال المثالي للكلام: ومنطلقاتها: كونيات لغوية وأخلاقية، ونتائجها: عموميات حقوقية، تيسر الفهم والتعامل داخل العالم الاجتماعي كما تساهم في كشف الحقيقة عبر صنعها إتفاقياً.وذلك يتم برعاية الديمقراطية التشاورية والتي هي نتيجة للتواصل الشفاف و الإجماع حد استيعاب الاختلاف.

و بيّن الدكتور جاسم بديوي مشروع الكوني أو الأممية لدى دريدا ، محاولا كشف المخارج التي يكتبها دريدا في صيغته المستعارة من ماركس نحو أممية التعددية والإنسانية، بهامشيتها الضرورية واختلافها المقموع، بحث بديوي في علاج الجراحات العشرة العالمية بما فيها الإرهاب والمخدرات والهجرة الخ..، فكان موضوعا يثري عمل الفلسفة السياسية اليوم، ولاسيما مع خطابات مابعد الحداثة التي وصفت جزافا بأنها عبثية وبلا معنى، إنها المعنى في البحث عن الإنسان الذي ضاع واستلب.

فيما شكّلت دراسة الأستاذ محمد بوجنال كشفا بالتحولات التي أنتجها الخطاب مابعد الحداثي بشأن النظرية السياسية، فقد رافقت الانعطاف بمسار التاريخانية والسرديات الكبرى نحو مقولات صغرى ترتبط بتوصيف ونقد الشأن السياسية التزامني، بحثا عن مخارج لأزمات واقعية بدلا من النزوع نحو اليوتوبيات التي لا تزال حلما جميلا، إلا أنها أبعد ماتكون عن حاجة المتسائل في شأن السياسة اليوم. إنه تساؤل الخروج من المأزق الآني. هكذا تبدو محاولة بوجنال رصدا لتلك الإجابات في عصر التقنية ووضع مابعد الحداثية.

هكذا سيبدو الكتاب: نصاً في الفلسفة السياسية المعاصرة جامعا بحوثاً ودراسات متخصصة تكشف النسقية و الانعطافات الكبرى في المسار الفلسفي للسياسة أو لنقل في مسار التفلسف حول السياسة.